دلفت الباب سريعًا بهذا الجو الأزرق باستعجال بسبب عواصف ثلجية ، دفأت يديها لتطلب القهوة ، تارةً تتذمر كونها خرجت قبل شروق الشمس ، وتارة أخرى تنشغل بتلك الجريدة الجديدة .
لاحظ خليط مشاعرها . . توتر وخوف وفرحة بنفس الوقت ، لم يكن هنالك أحدًا بالمحل سواه وقد شعرت بالأمان حين اكتشفت شخصًا ما يشرب القهوة .
كيف يخبئ ابتسامته تلك من شفتيه الشقية ؟
يرفع كوب قهوته إلى شفتيه ليبعد آثار الشك عنها ، كانت تلمح فاهه كل مرة بسرعة حين يبتسم ، أخفضت رأسها للجريدة لتكمل القراءة
كانت تتابع أخبار مشاهير وحديثي الشهرة .
تأمل ، عينيها السوداء التي تتحرك بسكون ، وهدبها الذي يُضمم الحروف بشغفٍ ، وحاجبيها يرتفعان بكل هدوء ، أنفها الصغير المحمر من شدة البرد ، وشفتيها الوردية التي ترطبهما بحماسة لتصبح أكثر جمالًا ، وشعرها الأسود المموج الذي ينسدل من تحت وشاحها البندقي ، فتحت هاتفها لتلتقط صورةً ما على الجريدة وكانت تهز قدمها بسرعة ، خيل له بأن ابتسامتها كطفل عثر على حلوة ، تأملها . . ولكنها لم تعر عينيه البنية أية اهتمام .
تحدثت بحماسة وهي تقضم شفتيها عبر الهاتف :
ـ أهلًا عزيزتي . . أوصلك خبر الكاتب الذي كنا نتحدث عنه . . نعم نعم . . ستصدر روايته بعد أسبوع والكل متحمسًا لها . . . نعم إنه وسيم للغاية ! أتعلمين أود لو ألتقي به . . . حسنًا أراكِ لاحقًا !
قام بهدوء وحرك كرسيّه قليلًا من مقعده وأصدر صوتًا ، التفتت ليديه ومن ثم عادت لتنشغل بهاتفها ، اقترب قليلًا ليرى ما تقرأه ، خفق قلبه بشدة ، ليتراجع ويأخذ كوب قهوته ليفتعل صدفةً ما بها ، تردد . . لكن ماذا يفعل ؟ مشى بهدوء ليجلس مقابلًا لها ، لم ترفع رأسها بل عادت تقرأ المقالات وهي تهمس :
ـ يا إلهي !
أخذت الكوب لترشف القهوة ، قفز كلبها ليلعب معها ، أُفرغت كل القهوة على صدره ، فزعت ووضعت كلبها على الأرض لتوبخه بغضب :
ـ كلبٌ سيء أنظر ماذا فعلت بهذا الشاب .
وجهت اعتذارها بخجل ودموعها بدأت بالهطول :
ـ أنا آسفة ، آسفة للغاية سأمسح ملابسك . .
قام بفتح معطفه الرمادي وأشاح به :
ـ لا لا داعٍ لهذا
أقفلت قفل الكلب على الطاولة لتهمس :
ـ هذا جزاؤك لن تتحرك من هنا .
تنحنح بهدوء ليهتف بعد عدة ثواني :
ـ جريدة اليوم مثيرة للغاية .
أرجعت خصلة إلى أذنها اليمنى ومسحت دموعها ، نظرت إلى وجهه للمرة الألف لتهتف :
ـ نعم ، ولكن على أية حال أنا لا أحبذ الجرائد ، وقد اشتريت هذه الجريدة كي أقرأ عن بعض الكُتاب .
أشارت إلى صورة ذلك الشاب ومن ثم انعقد حاجبها وهي تتمتم مردفة :
ـ سحقًا . . إنه يشبهه !
أومأت برأسها لتنفض أفكارها :
ـ أعتقد بأني لم أنم جيدًا !
ابتسم ليمد يده المرتعشة للقهوة :
ـ لا سيما لو كنا نفكر بشخص ما ونظن بأننا ننظر إلى الشخص ذاته . .
ولكننا في الحقيقةِ ننظر إلى أشخاص عاديين .
انعقد حاجبيها بغضب ، ولكنها لم تجرؤ على رفع رأسها ، اتكأت على المنضدة لتتظاهر بالقراءة في الصفحة نفسها ،فرقع أصابعه بتململ ليردف :
ـ ألم تملي بقراءة مقالات هذا الشاب ؟
بانت على ملامحها آثار الغضب واحمر وجهها بحياء :
ـ لا شأن لك في هذا !!
ضحك بخفة وشعر بأنه يتحدث إلى طفلة ، أعاد جملته :
ـ ألم تملي بقراءة مقالاتي ؟!
استقامت بجلستها دون أن تنظر إليه ، أمالت وجهها قليلًا بصورة ذلك الشاب ومن ثم نظرت إلى من هو بجانبها ، وضعت يديها على شفتيها وعينيها تلمعان بسوادهما .
ضحك إثر ملامحها الجديدة ، على إهداءها له بعضًا من التعابير التي لم يستطيع وصفها في كل إصداراته الروائية ، بعضًا من الخيال الخصب ، وبعضًا من الجمال، لم يجد شيئًا حقيقيًا فيها أبدًا ، كان يظن أنها ستكون فقط على السطور دون أن تكون على الواقع ، كان يظن بأنه يحلم قليلًا وسيصحو ليكتب عشرة صفحات على التوالي دون حب . . دون الشعور بالخيال على الواقع ، افتر ثغره أكثر ، حين أيقن بأنه يكتب الآن ليصفها جيدًا ، بهذه الوضعية كيف تكون ؟
حاول ترتيب سطوره فقط في عقله ولكنه لم ينجح ، فقد يفوته أغلب ما كان يريد كتابته ، فرحتها مع لمعان سحر عينيها . . أم تورد خديها سريعًا أثناء قراءتها ، أم رعشات شفتها السفلى .
نطقت اسمه بعد هنيهة مردفةً :
ـ أنا سعيدة بالتقائي بك !
لاحظ شفتيها المتوترة ليضحك :
ـ وأنا سعيد بأني وجدت بطلات رواياتي فيكِ !
بقلم | | فَـايزة .