تاريخ المهدية:cool::
زعيم الثورة: محمد أحمد المهدي:
ولد محمد أحمد بن عبد الله ( ) في قرية قرب دنقلة سنة 1260هـ=1844م، ونشأ نشأة دينية، واستفاد من تعليمه الديني من الشيخ محمد الخير فتعلم النحو والتوحيد والفقه والتصوف، وأخذ عن الشيخ محمد شريف ود نور الدايم مزيداً من الدروس في علوم الشريعة والتصوف على الطريقة السمانية، واستمر متصلاً بشيخه حتى حدثت جفوة بينه وبين شيخه، فدخل محمد أحمد في طريقة الشيخ القرشي ود الزين بأرض الجزيرة –بين النيلين الأبيض والأزرق- وكان الشيخ القرشي من أتباع الطريقة السمانية، وبعد وفاة شيخه انطلق إلى جزيرة آبا، ويتوافد عليه المريدين ( )، وبدأ دعوته سراً عام 1297هـ=1880م، وجهراً في العام التالي، وكثر أتباعه، وذاع صيته في كل السودان ( )، وظل محمد أحمد يلقب بالفقيه، حتى أعلن عن نفسه أنه "المهدي المنتظر"، وصار يعرف بهذا الاسم منذ ذلك الحين، وتقوم فكرته على الإصلاح الديني والاجتماعي، عن طريق العودة إلى التشريع الإسلامي في عهوده الزاهرة، وفتح باب الاجتهاد، وإقامة الحدود الشرعية، وقد تجلى ذلك في نص البيعة التي يبايعه بها مريدوه هي: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الوالي الكريم، والصلاة على سيدنا محمد وآله، أما بعد فقد بايعنا الله وبايعناك على توحيد الله، وألا نشرك به أحداً، ولا نسرق ولا نزني، ولا نأتي ببهتان ولا تعطيل في معروف، بايعناك على زهد الدنيا، وتركها والرضى بما عند الله رغبة بما عند الله والدار الآخر، وعلى أن نفرض الجهاد" ( ).
كان المهدي يعيش مفتوح الذهن والقلب على المرارة والظلم والفساد الذي كان يكتوي به الشعب السوداني، وشهدت جزيرة (آبا) تكاثر المريدين والزوار وذوي الحاجات على المهدي( ).
أعلن محمد أحمد المهدي ثورته سنة 1881م وكان أهم أهدافها:
- وضع حد لتسلط الباشوات والموظفين الأتراك والجراكسة والأوروبيين.
- إيقاف النهب الاستعماري للسودان.
- محاربة الفساد الإداري وإرهاق الشعب السوداني بالضرائب ذات المسميات المختلفة.
- الدعوة إلى رفض السلطة العثمانية.
- اتصاله بالثورة العرابية وتعاطفه معها، حيث كان يتفق معها لمقاومة الاستعمار البريطاني.( )
ازدادت ثورة المهدي اضطراماً بانضمام العناصر الساخطة على الحكومة للدعوة الجديدة كتجار الرقيق، وزعماء القبائل، خصوصاً عبد الله التعايشي زعيم قبائل البقارة والذي أصبح فيما بعد الساعد الأيمن للمهدي وخليفته من بعده، وأطلق المهدي على أتباعه لقب الأنصار، وكان المسئول عن إدارة شئون السودان في ذلك الوقت في سنة 1881م الحكمدار رؤوف باشا الذي وجد نفسه أنه لا يستطيع الاعتماد على القاهرة، فالثورة العرابية كانت مشغولة بنفسها وبالخطر المحدق بها ( ) ، فأرسل إلى المهدي في مقره في أبا، قائلاً له: "اذهب إلى الخرطوم، واحظَ بالمثول بين يدي سيد البلاد لكي تبرئ ساحتكم"، فرفض المهدي هذا الطلب ( ).
معركة آبا: في 12 أغسطس سنة 1881م:
جرد رؤوف باشا كتيبة من مائتي جندي إلى جزيرة آبا بقيادة أبي السعود العقاد، ليأتوا له بالمهدي سجيناً، ولكن محمد أحمد (المهدي) كان متيقظاً، فأعد رجاله وأنصاره -وكانوا يسمون الدراويش- للقتال، فما إن نزل الجند من الباخرة التي أقلتهم وبلغوا القرية، حتى انقض عليهم رجال المهدي، وفتكوا بهم جميعاً وكانوا 120 جندياً، وستة ضباط، أما أبو السعود فلم يكن غادر الباخرة، خوفاً على نفسه، فلما علم بما حل بالجند انسحب إلى الخرطوم، وأخبر رؤوف باشا ما فعله المهدي برجاله، وهذه أول معركة انتصر فيها المهدي. ( )
وقد ظهر بعد النظر السياسي وعبقريته العسكرية بوضوح في قراره "بالهجرة" بعد هذا الاشتباك من جزيرة آبا إلى جبل قدير من جبال النوبة، ذلك أن هذه الهجرة، فضلاً عن محاكاتها لمثال النبي صلى الله علي وسلم، أدت إلى نقل الثورة من منطقة مفتوحة تعوزها وسائل الدفاع وتقع على مقربة من قوات الحكومة الأنجلو-مصرية إلى منطقة نائية ومحصنة من الناحية الاستراتيجية، وكانت هذه الهجرة نقطة تحول فعلية في تاريخ الحركة المهدية، تكمن أهميتها الكبرى في أن نقل الثورة من الأقاليم النهرية إلى غربي السودان ترتب عليه أن أصبح أبناء غرب السودان منذ ذلك الوقت هم أهم القادة الإداريين والعسكريين، بينما تضاءلت أهمية الأقاليم النهرية تدريجياً ( ).
م/ن