إن الذين يحبون السودان، ويحملونه في حدقات العيون، صاروا أقلية وسط بحر الأزمة التي تتقاطع فيه الأجندات الأيديولوجية، والحزبية، والجهوية، والقبلية، والمصلحية، والطبقية. ليس هناك من يسمع صوتهم الموضوعي. وأحيانا يحسسهم الكثيرون بأنهم لا يدركون طبيعة النزاع.ولعل هذا الوضع هو نتاج تسييس الدين. أو تديين السياسةالذي بذله الترابي وجماعته لنصف قرن. لقد أعمتهم الأيديولوجيا دون تحقيق إدارة مبدعة للبلاد، واستشراف مستقبل مشرق للبلاد. ولذلك عمدوا إلى توزيعنا إلى انتماءاتنا الأولية حتى يتسنى لهم تمتين قبضتهم على كامل الوطن. لقد نجحوا بامتياز في السيطرة على الحاضر ولكنهم متوترون في نظرتهم إلى الغد. وما من صيحة ضدهم إلا وأسرعوا في كبتها. اعتقد أنه لا يزال أمام الغالبية المكتوية بنارهم فرصة لحيازة الغد مهما كلف ذلك من وقت ومشقة. تسيطر الديكتاتوريات على الحاضر. ولكنها فاشلة في حيازة كل الغد. ومن هنا يظلالرهان على المستقبل حيا بأن تتحق في خاتم المطاف إرادة السودانيين لإعادة الوطن إلى نصابه. والمؤكد أن الانتقال من دولة الاستبداد إلى دولة الحرية، والعدل، والمساواة، لن يكون سهلا أو ميسورا. فبناء الأمم أمر شاق، ويحتاج إلى صبر، وعزيمة وهمة لهزيمة عناصر الإحباط التي تغذيها الديكتاتورية.كل هذا الانحطاط الذي بلغته الإنقاذ هو مؤشر كبير على خطوها نحو الأفول. وسيستنهض محبو السودان همتهم في اللحظة المناسبة لصنع التاريخ. والإحساس أن هذه الذروة التي بلغناها في معايشة هذا الانحطاط، وبلوغ سقوف المشروع الحضاري، يعد إيذانا بأن اللحظة الفاصلة ستكونفي المشارف المنظورة.