يُحكى أنّ رجُلاً مدَحَ أعرابيّاً في وجهِه، فقالَ لهُ الأعرابِيُّ:
لِمَ مدَحْتَني؟ أجرّبتَني عِندَ الغضَبِ فوجدْتَني حليماً؟!
فقالَ الرّجُلُ: لا!
فقالَ الأعرابيُّ: أجرّبتَني عِندَ السّفَرِ فوجدتَني حَسَنُ الخُلْقِ؟
فقالَ الرّجُلُ: لا!
فقالَ الأعرابيُّ: أجرّبتَني عِندَ الأمانةِ فوجدتَني أميناً؟
فقالَ الرّجُلُ: لا!
فقالَ الأعرابيُّ: إذاً .. لا يحِلُّ لأحَدٍ أن يمدحُ أحَداً حتّى يُجرِّبهُ في هذهِ الأشياءُ الثلاثةُ!!
روى " الأصمعي " هذهِ الرِّوايَة:
خرجَ الحجّاج "والي العِراق" برِحلةٍ صيدٍ؛ فوقفَفَ على أعرابيٍّ يرعى إبِلاً وقد انقطَعَ عَنِ
أصحابِه، فسألَ الحجّاجُ الأعرابيَّ: كيفَ سيرة أميرَكُم الحجّاج؟!
فقال الأعرابيُّ: غَشومٌ ظَلومٌ، لا حَيّاهُ اللهُ ولا بَيّاه!
فقالَ الحجّاج: لو شكوتُموهُ إلى أميرِ المؤمِنين!
فقال الأعرابيُّ: هُوَ أظلَمُ مِنهُ وأغشَمُ!
ثمّ تَوافَدَ جُنودُ الحجّاجِ بعدَ قليلٍ فأحاطُوا بِه والأعرابيِّ، فأومَأ إلى الأعرابيِّ، فأُخِذَ وحُمِلَ.
فلمّا سارَ الأعرابيُّ معَ أعوانِ الحجّاج سألَهُم: مَن هذا؟؟
قالوا: الحجّاج!! وعِندَها علَمَ الرّجُلُ أنهُ قد أُحيطَ بِه.
فحرّكَ دابّته حتى صارَ بالقُربِ مِنَ
الحجّاج .. فناداهُ: أيُّها الأميرُ. رَدّ الحجّاج: ما تشاءُ يا أعرابيُّ؟
فقال الأعرابيُّ: أُحِبُّ أن يكونُ السِرُّ الذي بيني
وبينَكَ مكتوماً. فضحِكَ الحجّاج وأخلى سبيله!