غرّة جوان 1959 تمّ إقرار أوّل دستور تونسي بعد الاستقلال.قصّة تونس مع الدساتير بدأت من أواسط القرن 19 عندما أصدر الملك محمّد الصادق باي دستورا جديدا باسم قانون الدولة التونسيّة وعرف باسم دستور 1861. كان أوّل دستور في المنطقة العربيّة ورائدا في وقته. فقد حدّ نوعا ما من سلطات الباي وجعله مسؤولا إذا خالف القانون أمام المجلس الأكبر (في ما يشبه البرلمان)، الذي سمح له الدستور بمحاسبة الملك. كما فوّض للوزراء بعض الصلاحيّات دون الرجوع للملك، وألزم الملك استشارة المجلس الأكبر في بعض القرارات، لكنّه أقرّ نظام الوراثة وحقّ الملك في التعيين في المناصب الكبرى.تعلّق العمل بالدستور عام 1864 بعد ثورة علي بن غذاهم. وبعد الاحتلال الفرنسي عام 1881، كانت أهم مطالب الحركة الوطنيّة هي إعادة العمل بدستور 1861 وإنشاء برلمان تونسي، حتى أن أهم الأحزاب الذي قاد معركة النضال كان اسمه "الحزب الحر الدستوري التونسي" لتبنّيه تلك المطالب.بعد ما تحصّلت تونس على استقلالها في 20 مارس 1959، قامت مباشرة بتنظيم انتخابات تشريعيّة أفرزت أعضاء المجلس القومي التأسيسي الذين تمّ تكليفهم بمهمّة كتابة دستور جديد على أساس نظام ملكي دستوري. لكن انقلاب بورقيبة على الملك الأمين باي في 25 جويلية 1957 جعل أعمال المجلس تتحوّل لكتابة دستور بنظام جمهوري. فكان هذا أوّل تحوير للدستور قبل حتى الانتهاء من كتابته. وفي مثل هذا اليوم غرّة جوان 1959، تمّ رسميّا إقرار دستور الجمهوريّة النتونسيّة الجديد. كان دستورا ثوريا، يأكّد على هويّة الدولة الجمهوريّة العربيّة المسلمة، ويؤسس لدولة ديمقراطيّة متطوّرة تضمن تعدد الأحزاب والتداول السلمي على السلطة واستقلال القضاء. لكن تفرّد الحبيب بورقيبة بالحكم هو وحزبه أدخل على الدستور تنقيحات شوهته، لعلّ أهمها تنقيح 1962 الذي ألغى تعدّد الأحزاب، وتنقيح 1974 الذي جعل حكم بورقيبة رئيسا مدى الحياة، ممّا قتل روح الدستور والمبادئ التي قام عليها عام 1959.بعد الإطاحة ببورقيبة من طرف بن علي في 7 نوفمبر 1987، أدخلت على الدستور تغييرات جديدة بهدف إعادة الروح الديمقراطيّة والتشاركيّة وفصل السلط ولعل أهمها تنقيحات 1988. لكن تشبّث بن علي بالسلطة جعله يقوم بتعديلات جديدة لصالحه أهمها، تنقيح 1993 المتعلق بالولايات التشريعية والرئاسية المقبلة، والاستفتاء الشكلي الّي قام به عام 2002 والذي جعل أغلب السلط بين يديه وقتل قتل بها روح الدستور مرّة أخرى.بعد قيام الثورة التونسيّة في 17 ديسمبر 2010 والتي انتهت بفرار بن علي في 14 جانفي 20111، اتفقت أغلب القوى السياسيّة على تعطيل دستور 1959 وانتخاب مجلس تأسيسي جديد مهمته إعادة كتابة دستور جديد. ولمواجهة الفترة الانتقاليّة قام الرئيس المؤقت فؤاد المبزّع بإصدار قانون التنظيم المؤقت للسلط العموميّة والذي عرف بالدستور الصغير يوم 23 مارس 2011، والذي تم تعويضه بمرسوم آخر صادر من المجلس التأسيسي (الذي تم انتخابه في 23 أكتوبر 2011) يوم 10 ديسمبر 2011 (صدر في الرائد الرسمي نهار 23 ديسمبر) والذي كان بمثابة دستور مؤقت في انتظار كتابة دستور جديد.وفي 27 جانفي 2014، وبعد جهد جهيد، وتجاذبات سياسيّة كبيرة كادت تجرّ البلاد لكارثة، ختم رئيس الجمهوريّة محمّد المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة علي العريّض ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر الدستور التونسي الجديد، لتدخل البلاد مرحلة جديدة من تاريخها.
