الغفلة
هي الحالة الاُخرى التي تقع في الطرف المقابل للعجلة والمسارعة في فعل الخير. فالإنسان الغافل أساساً ينسى تكليفه وينشغل بأمر آخر. يقول الإمام أبو جعفر الباقر (سلام الله عليه): «وإيّاك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب». ويقول عزّ من قائل في وصفه لحوار يدور بين المنافقين والمؤمنين في يوم القيامة:
«يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ»؛ أي: يقول المنافقون للمؤمنين: ألم نكن معكم؟! بمعنى: ألم نكن أهل حيّ واحد، وروّاد مسجد واحد، ورفقاء في الجهاد، و...الخ؟ فما الذي أوصلكم إلى كلّ هذه السعادة وأبقانا في هذه الظلمة الحالكة؟ فيجيب المؤمنون: «قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ»1؛ أجل لقد كنتم معنا؛ لكنّكم كنتم تسوّفون في الاُمور وتؤجّلون عملكم إلى غد وبعد غد، وتقدّمون رجلاً وتؤخّرون اُخرى، فاستولى الشكّ والريبة عليكم شيئاً فشيئاً.
فقد أقررتم في بادئ الأمر بضرورة الإتيان بهذه الواجبات لكنّكم كنتم تسوّفون في الأمر فكانت النتيجة أن تولّد عندكم بالتدريج شكّ في أصل هذه الواجبات وتساءلتم: هل إنّ القيام بها يُعدّ ضروريّاً أساساً؟ فغلبت عليكم الآمال والأمانيّ وخدعتكم وغرّتكم. وهذه هي سلسلة المراحل التي يمكن أن تطرأ على الإنسان فتزيح قدمه شيئاً فشيئاً عن مسير الحقّ وتصرفه عنه. فمثل هذا الإنسان قد يفتح عينه فجأة فيرى نفسه قد انحرف بزاوية 180 درجة عن مسير الحقّ.
يقول الله عزّ وجلّ في آية اُخرى: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُواْ كاَلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ»2. فإذا حُرم القلب لمدّة من إفاضة نور الهداية عليه من قبل الله عزّ وجلّ وشغلته عوامل الغفلة بروتين الحياة ورتابتها فسوف يفقد حالة الرقّة والانفعال ولا تعود حتّى الموعظة مؤثّرة فيه فينسى - شيئاً فشيئاً - أنّه من أجل ماذا خُلق أساساً؟ وإلى أين وجهته؟ ولماذا بُعث الأنبياء؟ ومن أجل ماذا جُعلت منظومة الرسالة والإمامة والشهادة؟ وما إلى ذلك. وهذا النسيان والغفلة يقسّيان القلب ويجعلانه كالصخر. من أجل ذلك يقول (عليه السلام): «وإيّاك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب»؛ فإيّاك والابتلاء بالغفلة والروتين واللامبالاة فهي من موجبات قساوة القلب.
ومع الأسف فإنّ الثقافة العالميّة المعاصرة تتّخذ هذا المنحى؛ وهو محاولة نسيان كلّ ما يوجب الغمّ والهمّ والحزن والخوف وأمثالها وعدم التفكير فيه والركون إلى اللامبالاة، في حين أنّ الغفلة واللامبالاة من شأنهما أن يقسّيا قلب الإنسان فلا يعود قول الحقّ مؤثّراً فيه مهما سمعه
----------------
1. سورة الحديد، الآية 14.
2. سورة الحديد، الآية 16.
----------------
1. سورة الحديد، الآية 14.
2. سورة الحديد، الآية 16.