على الرّغم من أنَّهم لا يفتؤون يُردِّدون في الخطبِ والمحافلِ أنَّ الإسلامَ قد كرَّمَ المرأةَ ورفعَ من شأنِها وخَصَّها بِحُسْنِ المعاملة، بعد أنْ كانت تُهانُ وتُذَلُّ وتُعامَل باحتقارٍ، إلّا أنَّ الواقعَ يشهدُ أنَّ كثيرًا من النساءِ يعامَلْن باحتقار، وأنَّ أوَّلَ من يُهينُ المرأةَ ويؤذيها ويمنعُها حقوقَها هم أهلُها وذووها.
البنتُ في بيتِ أبيها ليست سوى خادمةٍ، ومع كُلِّ ما تُقاسي من جهدٍ وعناءٍ، لا تنالُ التكريمَ ولا الهناءَ، وجزاءُ إحسانِها لا يكونُ سِوى الضُّرِّ والإيذاءِ، وتحيا حياةَ البؤسِ والشَّقاءِ، فأيُّ كَرْبٍ هذا وأيُّ بلاءٍ!
وإذا بلغتْ سِنَّ الزواجِ، كانت تمامًا كما قال المنفلوطي: "متى بلغت الفتاةُ سنَّ الزواجِ، استثْقلَ أهلُها ظِلَّها وبَرِموا بِها، وحاسَبوها على المضْغةِ والجرْعةِ، والقوْمَةِ والقعْدةِ، ورأوْا أنَّها عالةٌ عليهِم، وأنْ لا حقَّ لها في العيشِ في منزلٍ لا يستفيدُ مِن عملِها شيئًا، ووَدّوا لو طلعَ عليهم وجهُ الخاطبِ، أيُّ خاطبٍ كان، يحملُ في جبينِه آيةَ البُشْرى بالخلاصِ منها."؛ [النَّظَرات: البائِسات].
وقدْ يُزوِّجونَها دونَ عِلْمِها أو موافقتِها بُغْيَةَ المُتاجرةِ بِها، فيأخذُ الوَلِيُّ المالَ، ولا يهمُّ بعدَها إنْ سَعدت البنتُ أم شَقِيَت بهذا الزواج. يقولُ ابنُ تيمية في أمثالِ هؤلاءِ: "ليس للوليِّ أن يجبِرَها على نِكاحِ مَنْ لا تَرْضاهُ، ولا يَعْضِلها عن نِكاحِ مَن ترضاهُ إذا كانَ كفؤًا باتفاقِ الأئمةِ؛ وإنَّما يُجبِرُها ويعضِلُها أهلُ الجاهليةِ والظُّلْمَةِ الذين يُزَوِّجونَ نساءَهم لِمَنْ يختارونَه لِغَرَضٍ لا لمصلحةِ المرأة."؛ [مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية - ج 32 - الفقه 12 – النكاح].
قرأتُ مُؤَخَّرًا قصةَ فتاةٍ في بدايةِ العقدِ الثالثِ مِن عُمرِها (أي في بداية العشرينات) فوجِئَتْ بِرَجُلٍ يحملُ عَقْدَ زَواجِهِ بِها، فرَفَضَتْه ولمْ تُجِزْ ما صَنَعَهُ أبوها، فأرادَ أنْ يَقودَها إلى بيتِ الزَّوْجِيَّةِ بالقُوَّةِ، فأَبَتْ ذلك، فأرادا إرْغامَها هو وأبوها فرفَعتْ أمرَها إلى القضاء.
فتاةٌ ذاتُ هِمَّة، وهذا ما ينبغي على كلِّ فتاةٍ أَبِيَّةٍ أنْ تفعلَه؛ إذْ أيُّ إهانةٍ هذه وأيُّ احتقارٍ للمرأةِ أنْ تُزَوَّجَ دونَ عَلْمِها وتُغْصَبَ مَهْرَها؟ وهل يُؤتَمَنُ مِثْلُ هذا الأب على ابنتِه إنْ كانتْ في نظرِه ليست سوى سلعةٍ تُباعُ وتُشْتَرى بالمِزاج؟
مَن الذي يجبُ أنْ يكونَ أحرصَ الناسِ على البنت؛ أليس أبوها؟ ومن الذي يرْعاها ويحْنو عليها؛ أليسوا أهلَها وذويها؟ فما بال هذه المخلوقات المسْخ يُذيقونَها المُرَّ والعلْقم، ويكونون سببَ عذابِها وشقائِها في هذه الحياة؟
ذَكَرَ أحدُهم قصةَ فتاةٍ في الثانيةَ عشَرَةَ من عمرِها، أَسْلَمَها أبوها ـ من أجل حُفْنَةٍ من المالِ يتقاضاها كلَّ شهر ـ إلى أناسٍ قد تعفَّنَتْ ضمائرُهم لتعملَ في خِدْمتِهم، فأخذَتْ ترجوه وتتوسلُ إليه ألّا يترُكَها وحدَها عندَهم، فلمْ يرحمْ ضعفَها، ولمْ يعبأْ بها ولا بتوَسُّلاتِها، وترَكها ومضى. بقيَتْ المسكينةُ عندَ هؤلاء الشياطينِ يَسومونَها سوءَ العذابِ عشرَ سنين، إلى أنْ عَمِيَتْ مِنْ شِدَّةِ التعذيب، فألقَوْا بها في الشارع، ثم وُجِدَتْ بعد ذلك تعيشُ في دارٍ للمكفوفين.
يُتاجرون ببناتِهم ويُدَمِّرونَ حياتَهنَّ من أجلِ لُعاعَةٍ من الدنيا! ألا ما أبْأسَ من ابتُلِيَتْ بأهلٍ قد أظْلمِتْ قلوبُهم وعقولُهم! وما أشْقى مَن تعيشُ بين أناسٍ قد نَزَعَ اللهُ الرحمةَ مِن قلوبِهم! ومِنْ نَكَدِ الدنيا على المرأةِ أنْ تَرى أعداءَ لها وشياطينَ ما مِنَ العيْشِ مَعَهُم بُدُّ.
كان المنفلوطي لِشِدَّةِ رحمتِه بالمرأةِ وشَفَقَتِه وعَطْفِه عليها دائمَ التحريضِ على الإحسانِ إليها، ولا يرى بابًا في الإحسانِ يَنْفَذُ مِنْه المسلمون إلى عَفْوِ اللهِ ورَحْمَتِه أوسعَ مِنْ ذلك، وهذا مِمّا لا شَكَّ فيه؛ فقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ: ((مَنْ يَلي مِن هذه البناتِ شيئًا، فأحسَنَ إليهِنَّ، كُنَّ له سِتْرًا مِن النارِ))؛ [صحيح البخاري: 5995]، وقال: ((أيُّما رجُلٍ كانتْ عندَه وليدةٌ، فعلَّمَها فأحسنَ تعليمَها، وأدَّبَها فأحسنَ تأديبَها، ثم أعتَقها وتزوَّجَها فله أجرانِ))؛ [صحيح البخاري: 5083]، فهل يفقهون؟
يَكْرَهون المرأةَ وما جاءوا إلا مِنْ رَحِمِها، ويَحتقِرونها ويَسْعون إلى الزواجِ بِها، ولا يكونُ لهم الوَلَدُ إلا مِنْها، ولا تَسْتَقيمُ الحياةُ على هذه الأرضِ بِدونِها، ويَذُمُّونَها ونَبِيُّنا عليه الصلاةُ والسلامُ يقول: ((الدُّنيا كلُّها مَتاعٌ، وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصالحةُ))؛ [صحيح الجامع: 3413]، ويقول: ((قلبٌ شاكرٌ ولسانٌ ذاكرٌ وزوجةٌ صالحةٌ تُعينُك على أمرِ دنياك ودينِك خيرُ ما اكْتَنَزَ الناسُ))؛ [صحيح الجامع: 4409]؛ فسُبْحانَ مَنْ أَعْدَمَ هؤلاء الأَجْلافَ العقولَ والفُهوم!
البنتُ في بيتِ أبيها ليست سوى خادمةٍ، ومع كُلِّ ما تُقاسي من جهدٍ وعناءٍ، لا تنالُ التكريمَ ولا الهناءَ، وجزاءُ إحسانِها لا يكونُ سِوى الضُّرِّ والإيذاءِ، وتحيا حياةَ البؤسِ والشَّقاءِ، فأيُّ كَرْبٍ هذا وأيُّ بلاءٍ!
وإذا بلغتْ سِنَّ الزواجِ، كانت تمامًا كما قال المنفلوطي: "متى بلغت الفتاةُ سنَّ الزواجِ، استثْقلَ أهلُها ظِلَّها وبَرِموا بِها، وحاسَبوها على المضْغةِ والجرْعةِ، والقوْمَةِ والقعْدةِ، ورأوْا أنَّها عالةٌ عليهِم، وأنْ لا حقَّ لها في العيشِ في منزلٍ لا يستفيدُ مِن عملِها شيئًا، ووَدّوا لو طلعَ عليهم وجهُ الخاطبِ، أيُّ خاطبٍ كان، يحملُ في جبينِه آيةَ البُشْرى بالخلاصِ منها."؛ [النَّظَرات: البائِسات].
وقدْ يُزوِّجونَها دونَ عِلْمِها أو موافقتِها بُغْيَةَ المُتاجرةِ بِها، فيأخذُ الوَلِيُّ المالَ، ولا يهمُّ بعدَها إنْ سَعدت البنتُ أم شَقِيَت بهذا الزواج. يقولُ ابنُ تيمية في أمثالِ هؤلاءِ: "ليس للوليِّ أن يجبِرَها على نِكاحِ مَنْ لا تَرْضاهُ، ولا يَعْضِلها عن نِكاحِ مَن ترضاهُ إذا كانَ كفؤًا باتفاقِ الأئمةِ؛ وإنَّما يُجبِرُها ويعضِلُها أهلُ الجاهليةِ والظُّلْمَةِ الذين يُزَوِّجونَ نساءَهم لِمَنْ يختارونَه لِغَرَضٍ لا لمصلحةِ المرأة."؛ [مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية - ج 32 - الفقه 12 – النكاح].
قرأتُ مُؤَخَّرًا قصةَ فتاةٍ في بدايةِ العقدِ الثالثِ مِن عُمرِها (أي في بداية العشرينات) فوجِئَتْ بِرَجُلٍ يحملُ عَقْدَ زَواجِهِ بِها، فرَفَضَتْه ولمْ تُجِزْ ما صَنَعَهُ أبوها، فأرادَ أنْ يَقودَها إلى بيتِ الزَّوْجِيَّةِ بالقُوَّةِ، فأَبَتْ ذلك، فأرادا إرْغامَها هو وأبوها فرفَعتْ أمرَها إلى القضاء.
فتاةٌ ذاتُ هِمَّة، وهذا ما ينبغي على كلِّ فتاةٍ أَبِيَّةٍ أنْ تفعلَه؛ إذْ أيُّ إهانةٍ هذه وأيُّ احتقارٍ للمرأةِ أنْ تُزَوَّجَ دونَ عَلْمِها وتُغْصَبَ مَهْرَها؟ وهل يُؤتَمَنُ مِثْلُ هذا الأب على ابنتِه إنْ كانتْ في نظرِه ليست سوى سلعةٍ تُباعُ وتُشْتَرى بالمِزاج؟
مَن الذي يجبُ أنْ يكونَ أحرصَ الناسِ على البنت؛ أليس أبوها؟ ومن الذي يرْعاها ويحْنو عليها؛ أليسوا أهلَها وذويها؟ فما بال هذه المخلوقات المسْخ يُذيقونَها المُرَّ والعلْقم، ويكونون سببَ عذابِها وشقائِها في هذه الحياة؟
ذَكَرَ أحدُهم قصةَ فتاةٍ في الثانيةَ عشَرَةَ من عمرِها، أَسْلَمَها أبوها ـ من أجل حُفْنَةٍ من المالِ يتقاضاها كلَّ شهر ـ إلى أناسٍ قد تعفَّنَتْ ضمائرُهم لتعملَ في خِدْمتِهم، فأخذَتْ ترجوه وتتوسلُ إليه ألّا يترُكَها وحدَها عندَهم، فلمْ يرحمْ ضعفَها، ولمْ يعبأْ بها ولا بتوَسُّلاتِها، وترَكها ومضى. بقيَتْ المسكينةُ عندَ هؤلاء الشياطينِ يَسومونَها سوءَ العذابِ عشرَ سنين، إلى أنْ عَمِيَتْ مِنْ شِدَّةِ التعذيب، فألقَوْا بها في الشارع، ثم وُجِدَتْ بعد ذلك تعيشُ في دارٍ للمكفوفين.
يُتاجرون ببناتِهم ويُدَمِّرونَ حياتَهنَّ من أجلِ لُعاعَةٍ من الدنيا! ألا ما أبْأسَ من ابتُلِيَتْ بأهلٍ قد أظْلمِتْ قلوبُهم وعقولُهم! وما أشْقى مَن تعيشُ بين أناسٍ قد نَزَعَ اللهُ الرحمةَ مِن قلوبِهم! ومِنْ نَكَدِ الدنيا على المرأةِ أنْ تَرى أعداءَ لها وشياطينَ ما مِنَ العيْشِ مَعَهُم بُدُّ.
كان المنفلوطي لِشِدَّةِ رحمتِه بالمرأةِ وشَفَقَتِه وعَطْفِه عليها دائمَ التحريضِ على الإحسانِ إليها، ولا يرى بابًا في الإحسانِ يَنْفَذُ مِنْه المسلمون إلى عَفْوِ اللهِ ورَحْمَتِه أوسعَ مِنْ ذلك، وهذا مِمّا لا شَكَّ فيه؛ فقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ: ((مَنْ يَلي مِن هذه البناتِ شيئًا، فأحسَنَ إليهِنَّ، كُنَّ له سِتْرًا مِن النارِ))؛ [صحيح البخاري: 5995]، وقال: ((أيُّما رجُلٍ كانتْ عندَه وليدةٌ، فعلَّمَها فأحسنَ تعليمَها، وأدَّبَها فأحسنَ تأديبَها، ثم أعتَقها وتزوَّجَها فله أجرانِ))؛ [صحيح البخاري: 5083]، فهل يفقهون؟
يَكْرَهون المرأةَ وما جاءوا إلا مِنْ رَحِمِها، ويَحتقِرونها ويَسْعون إلى الزواجِ بِها، ولا يكونُ لهم الوَلَدُ إلا مِنْها، ولا تَسْتَقيمُ الحياةُ على هذه الأرضِ بِدونِها، ويَذُمُّونَها ونَبِيُّنا عليه الصلاةُ والسلامُ يقول: ((الدُّنيا كلُّها مَتاعٌ، وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصالحةُ))؛ [صحيح الجامع: 3413]، ويقول: ((قلبٌ شاكرٌ ولسانٌ ذاكرٌ وزوجةٌ صالحةٌ تُعينُك على أمرِ دنياك ودينِك خيرُ ما اكْتَنَزَ الناسُ))؛ [صحيح الجامع: 4409]؛ فسُبْحانَ مَنْ أَعْدَمَ هؤلاء الأَجْلافَ العقولَ والفُهوم!